هل لحياتي قيمة بدون المال ! كيف سأعيش وأنا لا أملك قوت الغد ؟ كانت هذه هي آخر كلماته لزوجته قبل أن يرحل رحيله الغريب قبل أن يسافر بحثا عن المال ، ولم يعرف وهو يتأمل وجوه من حوله ممن قفزوا معه إلى السفينة هل جميعهم يبحثون مثله عن قيمة لحياتهم أم لديهم زخرفها الجميل ... المال
أفاقته الصرخات من تأملاته البعيدة لتلقي به في عمق أبعد ، السفينة تغرق تغوص ببطء شديد وكأنها تستمتع بما تسمعه من صرخات وتوسلات أما هو فلا يسمع شيئا إنه لا يشعر حتى بنفسه لقد فقد الوعي لساعات لم يعرف عددها وجد نفسه بعدها على شاطئ هذه الجزيرة البعيدة وبجانبه شخص واحد يقول له :
_ أنا وأنت فقط من نجونا من الغرق أنا وأنت فقط
أخذ منه التفكير فيما حدث ساعات كثيرة نظر خلالها للبحر وأمواجه العالية أمامهما والظلام المحيط بهما يأخذ أحلامه ويقذف بها وراء كل موجة راحلة وعندما رحل الظلام وأطلت الشمس لتهدي نورها للمكان ظهر لهما كل ما على الجزيرة بوضوح الشمس ظهرت الأشجار الطبيعية وبئر من الماء يحيي الأمل في نفسيهما ظهرت الكهوف الغريبة والحفر المتعددة ظهرت الجماجم المنتشرة هنا وهناك لتقتل الأمل من جديد
سارا سويا في كل مكان بالجزيرة دخلا في كل يوم كهفا جديدا وتمر الأيام ولا تمر أية سفينة تحملهما لشاطئ الحياة وبعد أن كانت عيناه معلقة بالبحر أمامه لا تغيب عنه بدأت تنتقل هنا وهناك في حالة يأس مكتوم وكأنها تتأمل مكان النهاية وتذكر أيامه السابقة تذكر زوجته وأولاده وطعامهم البسيط وملابسهم القديمة بيته الفقير الذي أصبح يراه بشكل جديد ونظر لنفسه الآن للبئر الذي يشرب منه للكهف الذي ينام فيه لملابسه التي هزمتها قسوة الرياح ولم يشعر بدموعه التي انسالت على خديه إلا عندما ناداه رفيقه بأعلى صوته وكأنه نسى أن هدوء الجزيرة القاتل يسمح بسماع الصوت ولو كان همسا
_ ذهب ذهب كل حفرة بها ذهب
جعلته كلمة ذهب يرمي أفكاره جانبا وينطلق مسرعا وكأن أحدا غيره سيسبقه وأمام أول حفرة نظر بداخلها صرخ
_ نعم إنه ذهب إنه ذهب سنصبح أغنياء لم يكن رحيلي بدون فائدة
_ ولكن أين السفينة التي ستحملنا ؟
_ ستأتي ستأتي حتما مثلما وجدنا الذهب ستجدنا هي
وأخذا يجمعان من كل حفرة ما بها من ذهب وكان كلما انتهى من إحدى الحفر نظر للجماجم حولها وشكرهم على حفرها ونظر للبحر أمامه
_ ستأتي السفينة غدا بعد أن ننتهي من جمع كل الذهب
وجمعا كل الذهب الموجود وظل هو بجوار نصيبه منه وكأنه امتلك زخزف الحياة أخيرا ملك متوج ينتظر حاشيته لتنقله فوق قمة عرشه الجديد وانتظر وانتظر يوما بعد يوم يرفض كل كيانه فقدان الأمل
_ لا ليس الآن لن تنتهي حياتي بعد أن أصبحت لها قيمة أخيرا ستأتي السفينة حتما غدا
وكم طال انتظار هذا الغد وقد أتى أتى أخيرا ولكنه لم يأتي بسفينة الأحلام بل أتى بمركب صغير شهد صيحات السعادة ويقظة الأمل وانطلق الرفيقان يحملان ما معهما من ذهب ويجمعانه بجوار الشاطئ وبريق السعادة يطل من عيونهما شمسا ترسل أشعتها عبر الامواج لتصل للمركب القادمة التي بدأت تقترب حتى وصلت إليهما وفي وجه راكبها دهشة شديدة
_ ما كل هذا ! هل تظنان أن المركب تستطيع أن تحمله ؟ ستغرق بنا المركب ولا شك
_ لكننا لا نستطيع أن نتركه إنه كل ما نملك
_ إذن عليكما الاختيار إما الرحيل الآن بدون كل هذا أو البقاء بجانبه انا راحل الآن
نظر للذهب بجانبه وللمركب أمامه وفي لحظات صمت ركب معهما المركب وفوق وجهه ابتسامات سخرية لقد ترك كل هذا الذهب لينقذ حياته وطوال رحلة عودته ظل يفكر ويفكر وفي وجهه نفس الابتسامة الساخرة وعاد لبيته وزوجته وأولاده ولكن لعقله... فكر جديد ولقلبه ...أحلام مختلفة وللحياة في عيونه .. وجه آخر